صندوق الاستثمارات العامة ومرتكزات «الرؤية»

د.صلاح بن فهد الشلهوب

صندوق الاستثمارات العامة في المملكة أنشئ في عام 1971، ليكون إحدى أذرع الدعم للاقتصاد الوطني، ورافدا له من خلال الاستثمار في قطاعات متعددة، وفي عام 2015 تطور العمل في الصندوق بعد ربطه بمجلس الشؤون الاقتصادية، وكون رئيس مجلس الصندوق الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومن هنا أصبح للصندوق دور رئيس للإسهام في “رؤية المملكة 2030”.
تطورت استراتيجية الصندوق باعتبار الدور المنوط به، وتمت هيكلة الصندوق للاستثمار على أسس تجارية، وتركزت أهداف الصندوق على الإسهام المدروس في تنمية الاقتصاد الوطني، والعمل مع القطاع الخاص والتكامل معه وتمكينه، والتطور والابتكار المؤسسي، والمشاركة بصورة فاعلة في الإشراف على أنشطة الشركات التي يسهم فيها، واتباع نهجا استراتيجيا تجاه الاستثمارات، والتأثير الملموس في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي.
تطور حجم الأصول في صندوق الاستثمارات العامة بين نهاية عام 2015 إلى الربع الثالث من عام 2017 من 570 مليار ريال إلى 840 مليار ريال من خلال تطوير نوعية استثمارات الصندوق، ويستهدف الوصول إلى تريليون ونصف التريليون ريال بحلول عام 2020، وذلك فيما يظهر من خلال إعادة هيكلة مجموعة من الممتلكات والاستثمارات الحكومية في هذه المرحلة، التي سيعقبها العناية بجودة الاستثمارات لتحقيق نمو سنوي بين 4 و5 في المائة للوصول إلى حجم استثمارات يقدر بأكثر من تريليوني ريال في عام 2030 متزامنا مع “رؤية المملكة”، وليكون في ذلك الصندوق الأضخم عالميا في حجم الأصول أو بين الأضخم عالميا.
يعتمد الصندوق على التنوع في استثماراته بين الاستثمارات المحلية والعالمية، وتتنوع استثماراته العالمية بين الاستثمارات الاستراتيجية والعالمية المتنوعة، أما المحلية ففي الشركات السعودية والقطاعات الواعدة والقطاع العقاري وتطوير البنية التحتية، إضافة إلى المشاريع الكبرى.
المراقب لتطور صندوق الاستثمارات العامة يلاحظ دوره الفاعل في المشاريع النوعية التي أعلن عنها، ويلاحظ دوره الفاعل في توجيه الاستثمار بدلا من المراقب للفرص، فقد أصبح صندوق الاستثمارات العامة موجها للفرص في المملكة، ولاعبا رئيسا في تهيئة البيئة الجاذبة للاستثمارات النوعية، ولعل من أبرز تلك المشاريع التي تم تصنيفها بالمشاريع الكبرى والتي تتضمن إنشاء مدينة نيوم، والتي تقع في موقع جغرافي مميز في نقطة التقاء بين القارات الثلاث وتتوسط العالم على شاطئ البحر الأحمر في شمال غرب المملكة، وتتميز بموقعها المميز المعتدل لإقامة مدينة بمواصفات عالية نادرا ما تجد نظيرا لها اليوم، وتتميز بمواصفات تقنية عالية في بنيتها التحتية وخدماتها، وتستقطب أصحاب العقول المميزة في مجال التقنية والصناعات المتقدمة والذكاء الاصطناعي، في منطقة تعد الأقرب إلى منتصف العالم، ما يسهل الوصول إليها بين أبعد نقطة في الغرب أو الشرق.
من المشاريع النوعية مبادرة مشروع البحر الأحمر، الذي يمكن أن يكون وجهة سياحية وبيئية مميزة قريبة من منطقة تراثية في مدينة العلا ومدائن صالح التاريخية، وتتمتع تلك المنطقة بأجواء وبيئة مميزة وبها مجموعة من الجزر وأنواع من الحيوانات البرية والبحرية، إضافة إلى أن المشروع يتضمن وجهة سياحية فاخرة بين أملج والوجه.
من الاستثمارات النوعية في الصندوق، الاستثمار في الترفيه حيث إنه يوجد في المملكة وجهات سياحية وترفيهية كافية تستوعب الطلب من المجتمع على الترفيه، وليست جاذبة بما يكفي للسياح من دول الخليج والمنطقة، ومن هنا كان للصندوق مبادرات مميزة أبرزها مشروع القدية الذي يقع في منطقة قريبة من الرياض، حيث الكثافة السكانية الأعلى في المملكة، ومركزها المتوسط، الذي يجعل من الوصول إليها أكثر سهولة سواء للمواطنين والمقيمين في المملكة، أو الأخوة من دول الخليج، كما أن الرياض تتوافر بها شبكة مميزة من الطرق التي تربطها بمناطق المملكة، إضافة إلى أنها تمثل المركز الاقتصادي الأهم في المنطقة، كما أنه ومع اكتمال شبكة القطارات الداخلية -مترو الرياض- سيجعل الوصول إليها ميسرا للزائرين لها. وهذه الوجهة الترفيهية تشتمل على أنشطة ترفيهية متنوعة تناسب مختلف فئات المجتمع، وتلبي رغبة المواطن فيما يتعلق بالترفيه وتتسق مع “رؤية المملكة”، التي تتطلع إلى أن يصل إنفاق الفرد على الترفيه بما يعادل 6 في المائة.
من المشاريع النوعية التي يستثمر فيها الصندوق ويركز عليها بصورة واضحة، الاستثمار في التقنية، خصوصا في الشركات التي يمكن أن تحقق قفزات في حجم نموها ونوعية المنتجات والخدمات التي تقدمها، مثل الاستثمار في التجارة الإلكترونية والخدمات التي تعتمد على التقنية، إضافة إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة.
ويتميز الصندوق أيضا بالشراكات الاستراتيجية من خلال الشراكة مع صندوق رؤية سوفت بنك والمشاركة في الاستثمار في البنى التحتية في الولايات المتحدة، والشراكة مع صندوق الاستثمارات الروسية المباشرة، إضافة إلى برنامج الاستثمار في الملكية الخاصة الفرنسية وغيرها من الاستثمارات الاستراتيجية، إضافة إلى تأسيس الشركة السعودية للصناعات العسكرية، التي يعول عليها في تحقيق احتياج المملكة من الأسلحة والمعدات العسكرية بنسبة 50 في المائة.
من خلال استقراء لنشاط صندوق الاستثمارات العامة يمكن أن نصل إلى أبرز ملامح الصندوق التي تتمثل في:
الشفافية
التنوع والتوازن
دعم “رؤية المملكة”
استشراف المستقبل
تعزيز البيئة الاستثمارية وزيادة جاذبيتها
النمو والاستدامة
تنويع الموارد
ففيما يتعلق بالشفافية فإن الصندوق أصبح يعلن بشكل مستمر مشاريعه وخططه وبرامجه ومنجزاته، والتفاصيل الخاصة بنظام الحوكمة، إضافة إلى استقطاب الكفاءات للعمل والمشاركة سواء في المهام التنفيذية للصندوق أو من خلال العضوية في مجلس الإدارة، وهذا يمثل مستوى عاليا من الشفافية، تتيح للجميع الاطلاع على تفاصيل عمل الصندوق.
أما فيما يتعلق بالتنوع والتوازن فإن مبادرات الصندوق تتنوع فيها مجالات الاستثمار بين الاستثمارات المحلية والعالمية، والاستثمار في السلع والتصنيع والقطاعات الخدمية والبنية التحتية، والاستثمار في المعادن والنفط ومشتقاته والاستثمار في الطاقة النظيفة، والاستثمار في البنية التحتية والخدمات اللوجستية والاستثمار في الترفيه والسياحة، كما يستثمر في القطاعات الأساسية التقليدية والاستثمار في الصناعات والخدمات في مجالات التقنيات المتقدمة، والاستثمار في القطاعات ذات العوائد الحالية والاستثمارات طويلة الأجل. كما يعتمد آلية محكمة لإدارة المخاطر.
وفيما يتعلق بـ”رؤية المملكة 2030″ فإن خطط وبرامج “رؤية المملكة 2030” اعتمدت على ثلاثة مرتكزات وهي الاستثمار وموقع المملكة الجغرافي، وعمق المملكة الإسلامي والعربي، حيث ركز الصندوق على التوظيف الأمثل لهذه المرتكزات من خلال برامج تدعم المشاريع الخاصة في الحرمين، خصوصا فيما يتعلق بالمشاريع الخاصة بتطوير تجربة الحج والعمرة ورفع الطاقة الاستيعابية للفندقة والإسكان في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتتبع فرص الاستثمار محليا وعالميا، والاستفادة من موقع المملكة الجغرافي وتطوير مجموعة من الخدمات اللوجستية والسياحية والترفيهية، إضافة إلى تهيئة البيئة في المملكة لجذب الاستثمارات.
أما فيما يتعلق باستشراف المستقبل فيتمثل في عدد من المشاريع مثل مدينة نيوم والاستثمار في شركات التقنيات المتقدمة والتجارة الإلكترونية، إضافة إلى الاستثمار وإنشاء مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة. وقد تم اختيار الاستثمار في المجالات والشركات بعناية بغرض عدم المغامرة في شركات لم تتبين فرص نجاحها.
المشاريع الخاصة بالبنية التحتية داخل المدن وتهيئتها زاد من جاذبية المملكة للاستثمارات الأجنبية، وهو ما ردم الفجوة بين حاجة السوق وإمكاناته واستقطاب الاستثمارات الأجنبية والشركات للاستثمار في المملكة، بما يوفر فرصا أكبر للشركات المحلية والعالمية لاختيار المملكة وجهة مفضلة للاستثمار.
البرامج النوعية التي تم جزء منها والآخر يتم العمل عليه، سيكون له دور في تحقيق التنمية والاستدامة وتنويع مصادر الدخل للمملكة، التي تتطلع إلى الحد من الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر الدخل بما يحقق الاستدامة والرفاهية للاقتصاد الوطني، ويحد من أثر تقلبات الأسعار للسوق النفطية، التي أثرت بشكل واضح في برامج وخطط التنمية في المملكة خلال العقود الماضية.

نقلاً عن الاقتصادية

ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *