عندما تصاب بخيبة الأمل مراراً وتكراراً من سوء أداء الحكومة فإنك ستعتقد بأن لا شيء سيئاً يمكن أن يفاجئك منها، لكن على ما يبدو أن الحكومة لا يزال في جعبتها من سوء الأداء ما يمكن أن يفاجئنا أو يصدمنا أكثر، نحن ومن يراقبها حول العالم. طوال سنوات عديدة ووكالات التصنيف الائتماني ترفع وتثبت تصنيف الكويت في أعلى وأفضل التصنيفات العالمية بسبب كبر حجم أصول صندوق احتياطي الأجيال واستمرارية نموه حتى وصل إلى أعلى مستوى تاريخي له وهو 161.3 مليار دينار في 2018 ــــ 2019. وتذكر ذلك وكالات التصنيف بشكل مستمر في تقاريرها.
بغض النظر عن مسمى احتياطي الأجيال القادمة، وحتى قانون انشائه، أو ما تحاول الحكومة أن تسوق له، بأن امواله ستستخدم بعد نضوب النفط، تعتبر وكالات التصنيف الائتماني أصول صندوق احتياطي الأجيال بأنها أحد المصدات المالية التي تحمي الكويت من تقلبات أسعار النفط، ولهذا السبب تحصل الكويت على أعلى التصنيفات الائتمانية عالمياً.
قد يعتبر البعض ان النظر الى صندوق احتياطي الأجيال على انه حساب توفير ذو طابع استثماري طويل غير دقيق، لأن قانون انشاء صندوق احتياطي الأجيال أي قانون 106 لسنة 1976 واضح حول مسألة استخدامه أو السحب منه، حيث تنص مواده على الآتي:
– مادة 1: «تقتطع سنويا اعتبارا من السنة المالية 1976 / 1977 نسبة قدرها 10% (عشرة في المئة) من الايرادات العامة للدولة».
– مادة 2: «يفتح حساب خاص لتكوين احتياطي بديل للثروة النفطية يسمى احتياطي الأجيال القادمة»
– مادة 3: «لا يجوز خفض النسبة المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون أو أخذ أي مبلغ من احتياطي الأجيال القادمة» تعديل القوانين.. ممكن لكن عندما نتكلم عن مبدأ استمرارية الدولة، فإن القوانين التي وضعت يمكن بسهولة أن تتغير، والأموال الموجودة لهدف معين حسب القانون يمكن أن يتغير استخدامها بتعديل القانون نفسه.
والدليل أنه تم مؤخراً الموافقة على تعديل قانون احتياطي الأجيال ليوقف الاستقطاع بنسبة 10 في المئة سنوياً بشكل يخالف التوجه السابق الذي ينص على عدم تخفيض نسبة الاستقطاع. إلى ذلك، من يقرأ التحليلات المختلفة حول إنشاء صندوق احتياطي الأجيال، يعرف أن الهدف الرئيسي منه هو إبعاد وعزل قدر كبير من أموال النفط عن الهدر الحكومي أو منع المبالغة في توزيع الثروات على المواطنين.
وبذلك يصبح التعبير الدقيق عن الاحتياطي العام بأنه الحساب الجاري للدولة وليس حساب التوفير كما تدعي الحكومة، ويصبح التعبير الدقيق عن احتياطي الأجيال أنه حساب التوفير الأكبر للدولة الذي نتمنى أن يكون احتياطياً بديلاً عن الثروة النفطية للدولة إن أمكن.
صدمة غير متوقعة خلال السنوات الماضية كانت الحكومة أو وزير المالية على الأخص يستخدم سياسة مزدوجة ذات وجهين عبارة عن مبالغة وتهويل في العجوزات وسوء الأوضاع المالية موجهة داخلياً للمواطنين وأعضاء مجلس الأمة، أمّا وجهها الآخر فهو إبراز وإظهار الحجم الكبير لاحتياطيات الدولة دولياً حتى تعكس التصنيفات الائتمانية متانة الوضع المالي للدولة باحتياطياتها المالية الضخمة.
إلا أن وزير المالية الأخير براك الشيتان، الذي تم تعيينه في 16 فبراير 2020، ومن خلال تصريح «غير مسؤول» منسوب له في أغسطس بأن الحكومة لن تستطيع دفع الرواتب في نوفمبر، قد فشل في إخافة المواطنين وإقناعهم بالخطر كما فشل أيضاً في المحافظة على ثقة وكالات التصنيف الائتماني التي بدأ بعضها يعتقد أن احتياطيات الدولة المالية الكبيرة أضحت بلا فائدة في نظرها بسبب التخبط الكبير في السياسات الحكومية.
طبعاً، لا تقف الصدمة عند سوء أداء وتصريحات وزير المالية بل تمتد إلى الحكومة بأكملها.
فقد خفضت وكالة «موديز» مؤخراً تصنيف الكويت من Aa2، أي ثالث أفضل تصنيف للوكالة، إلى التصنيف A1 وهو خامس أفضل تصنيف لدى الوكالة، أي تم تخفيض تصنيف الكويت الائتماني درجتين في يوم واحد وهو ليس بالأمر الهين.
الصدمة الحقيقية هي أنه في 30 مارس 2020، أي منذ 6 أشهر وبعد شهر تقريبا من تولي الوزير الشيتان حقيبته الوزارية، وضعت وكالة موديز الكويت تحت الملاحظة لتخفيض تصنيفها بسبب انخفاض إيرادات النفط وعدم معالجة مشكلة شح سيولة الاحتياطي العام بإقرار قانون الدين العام مع تأكيد الوكالة بأن ملاءة الكويت المالية تأتي من افتراض أن أموال احتياطي الأجيال ستكون متاحة عند الحاجة.
وفي 22 سبتمبر، خفّضت الوكالة تصنيف الكويت درجتين لـ A1 بسبب مخاطر شح السيولة وضعف مؤسسات الدولة وعدم وجود قانون يسمح باستخدام احتياطي الأجيال لتمويل عجز الميزانية، وتشير الوكالة إلى أنه حتى لو تم إقرار قانون الدين العام بأن هذا لا يمكن حتى اعتباره حلاً على المدى المتوسط، الأمر الذي دفع الوكالة لوضع الكويت تحت الملاحظة من الأساس.
منذ مارس إلى أغسطس 2020 لم تحرّك حكومة الكويت ساكناً، بل اكتفت بقيام وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية مريم العقيل في أغسطس بتشكيل لجنة لدراسة آليات تحسين التصنيف الائتماني برئاسة الوزيرة نفسها، التي ربما لم تجتمع إلا بعد تخفيض التصنيف الائتماني في 22 سبتمبر، الأمر الذي يبين عدم اهتمام حكومة الكويت الأخيرة حتى بالمحافظة على التصنيف الائتماني المميز للبلد.
الاقتراض من «الأجيال» كما أكدت وكالة موديز أن إقرار قانون الدين العام لن يكون كافيا كحل حتى المدى المتوسط؛ لذلك وفي ظل انخفاض أسعار النفط وغياب الحلول الحقيقية لتخفيض الانفاق الحكومي و/ أو زيادة الإيرادات الحكومية من الاقتصاد المحلي يجب تعديل قانون احتياطي الأجيال، أي قانون 106 لسنة 1976 ليسمح عند انخفاض مستوى سيولة الاحتياطي العام باقتراض الدولة منه لسداد عجز الميزانية الفعلي أي الحساب الختامي بشكل يشابه لما حصل بعد الغزو والتحرير.
ماذا يعني تصنيف A1 للكويت؟ وفق التصنيفات التاريخية للكويت، فقد صعد تصنيف الكويت لدى «موديز» من Baa1، أي التصنيف الثامن في يناير 1996 إلى التصنيف الثالث Aa2 في يوليو 2007 ثم انخفض لأول مرة في سبتمبر 2020 إلى A1، أي التصنيف الخامس، أي كأنما رجعنا في التصنيف لدى «موديز» إلى مستوى التصنيفات في الفترة ما بين مايو 2002 التصنيف السادس وأكتوبر 2006 التصنيف الرابع.
وبالنسبة إلى وكالة S&P فقد صعد تصنيف الكويت من A، أي التصنيف السادس في أكتوبر 1997 إلى AA أي التصنيف الثالث يوليو 2011 ثم انخفض لأول مرة مارس 2020 إلى AA- أي التصنيف الرابع. أما بالنسبة إلى وكالة فيتش Fitch فقد صعد تصنيف الكويت من A، أي التصنيف السادس في سبتمبر 2000 إلى التصنيف AA، أي التصنيف الثالث في سبتمبر 2008، واستمر على ذلك.
نقلاً عن القبس