حاليا يوجد في السوق المالية السعودية عدة أنواع من الصناديق المتداولة إلى جانب صناديق الاستثمار التقليدية، غير أنه لا يوجد أي صناديق أسهم متداولة تعمل بطريقة نشطة. الصناديق النشطة نوع جديد من الصناديق بدأ ينتشر في أوروبا وأمريكا وأستراليا ودول أخرى منذ فترة قصيرة، وله جاذبية عالية لدى شرائح كثيرة من المستثمرين، وأعتقد أنه سيجد شعبية عالية جدا في المملكة.
ما صندوق الأسهم المتداول النشط؟ وما فوائده؟ وكيف يعمل؟ وكيف يختلف عن الصناديق المتداولة المعروفة؟
صناديق الأسهم المتداولة الموجودة حاليا لدينا ليست نشطة، وهي صناديق المؤشرات مثل صندوق فالكم 30 وصندوق فالكم للبتروكيماويات وصندوق مؤشر إم تي 30. هذه الصناديق يطلق عليها صفة خاملة أو غير نشطة، لأن مدير الصندوق لا يقوم بانتقاء الأسهم الداخلة في الصندوق، بل يتم ذلك بشكل إجباري، لأن الصندوق إما أنه يلاحق أداء أحد مؤشرات الأسهم المعروفة، أو في حالة الصناديق المتداولة في المملكة، فهو يتتبع حركة مؤشرات خاصة تم تطويرها من قبل إدارة هذه الصناديق. فمثلا، صندوق فالكم 30 يتبع أداء مؤشر فالكم 30، وهو مؤشر لشركة فالكم يرصد حركة أسهم 30 شركة مدرجة. كذلك صندوق “إتش إس بي سي” يتبع في أدائه أداء مؤشر إم تي 30، وهو مؤشر تم تطويره من قبل “تداول” وشركة إتش إس بي سي.
في الصندوق المتداول غير النشط يتم تحديد الأسهم وكمياتها حسب المؤشر الذي يلاحقه الصندوق، دون جهد ولا عناء من مدير الصندوق، عدا مرات قليلة في العام حينما يحتاج المدير إلى إعادة توازن الصندوق نتيجة ما يستجد من تغيرات في تركيبة المؤشر. ولهذا السبب تكون تكلفة الصندوق غير النشط قليلة مقارنة بالصناديق الاستثمارية التقليدية، التي تتطلب مهارات عالية وخبرات معينة لدى مدير الصندوق، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الصندوق.
فكرة صندوق الأسهم المتداول النشط تختلف عن الصندوق غير النشط في كون الأسهم الداخلة في الصندوق أسهما متنوعة ومتغيرة حسب استراتيجية الصندوق، فيمكن لمدير الصندوق بيع بعض الأسهم وشراء أسهم جديدة حسبما يستجد من تطورات وما يدرج من شركات جديدة، أو للدخول في وسائل مالية متنوعة، أو لاقتناص فرص جديدة، وهكذا.
الصناديق المتداولة النشطة شبيهة بالصناديق الاستثمارية التقليدية، المتوافر منها في المملكة نحو 250 صندوقا ويشترك فيها أكثر من 350 ألف مشترك، كما بنهاية عام 2020. التشابه هنا في أن الصناديق الاستثمارية التقليدية تعد صناديق نشطة، لأن هناك عملية انتقاء للأسهم يقوم بها مدير الصندوق، لذا يمكن اعتبار الصناديق المتداولة النشطة أنها صناديق استثمار تقليدية، لكن يتم تداول وحداتها بشكل فوري في سوق الأسهم، تماما كالأسهم الأخرى.
ما مصدر الصعوبة في طرح صناديق أسهم متداولة نشطة؟
مصدر الصعوبة في الصناديق المتداولة النشطة، وهو السبب في تأخر انتشارها في الولايات المتحدة، يعود لمسألة الشفافية والإفصاح، حيث تلزم هيئة الأوراق المالية الأمريكية هذه الصناديق بالإفصاح عن محتوياتها بشكل يومي، تماما كما يحدث في الصناديق غير النشطة. لكن هذا الشرط ليست له أهمية لدى الصناديق غير النشطة، لأن محتوياتها من الأسهم معروفة ومحددة في جميع الأوقات، كونها مطابقة لمحتويات المؤشرات التي تلاحقها هذه الصناديق. لكن في حالة كون الصندوق نشطا، فالإفصاح يعني إفشاء أسرار المهنة – إن صح التعبير – حيث يتعين على مدير الصندوق إطلاع الناس ليس فقط على استراتيجيته، بل على الانتقاء التكتيكي الخاص به، والكشف عما وقع بين يديه من فرص وخطط.
الصندوق المتداول النشط يعني، قيام مدير الصندوق بنشر مكونات الصندوق بشكل يومي وبشكل كامل، ليتمكن الجميع من معرفة قيمة الصندوق الحقيقية وليس فقط قيمته السوقية. هذا الإفصاح في غاية الأهمية، ليس فقط من باب الشفافية وبناء الثقة، بل بسبب ضرورة مزاولة عمليات المراجحة أو “آربيتراج”، التي يقوم فيها كبار المتداولين وصناع السوق بعمليات اشتراك واسترداد مهمة، تؤدي إلى بقاء سعر الصندوق السوقي قريبا جدا لسعره الحقيقي.
ما علاقة عمليات المراجحة بصناديق الأسهم المتداولة النشطة؟
في الصناديق غير النشطة تتم عمليات المراجحة بسهولة، لأن مكونات الصندوق معروفة، فيقوم المتداول باستبدال وحدات الصندوق التي بحوزته بسلة أسهم مطابقة، وذلك عندما يجنح سعر الصندوق إلى الأعلى، أو القيام بعكس ذلك عندما يكون هناك بيع جائر لوحدات الصندوق. هذه العمليات تسمى عمليات مراجحة، وهي تتم في السوق السعودية، وإن لم تكن بالشكل الفاعل الكامل، نتيجة محدودية من يستطيعون القيام بذلك، ونتيجة ارتفاع عمولة القيام بذلك، إلا إنها موجودة وتمارس في هذا النوع من الصناديق غير النشطة. لكن كيف تتم المراجحة في حالة الصناديق النشطة إذا لم يكن هناك إفصاح لمكونات الصندوق؟
إذن: لدينا مشكلة كبيرة، وهي أن الإفصاح الضروري لعمل الصناديق المتداولة النشطة غير مقبول من قبل مديري الصناديق الذين يرون فيه انتهاكا لحقوق الملكية الفكرية لديهم وإفشاء لأسرار مهنتهم. لهذا السبب، قامت هيئة الأوراق المالية الأمريكية، بطلب تقديم اقتراحات لمعالجة هذه المشكلة، حيث لا يتم التفريط في حقوق المتداولين ولا حقوق مديري الصناديق، وبالفعل تم تقديم عدد من الاقتراحات. أحد هذه الاقتراحات ما قامت به ألمانيا، حيث سمحت بنشر مكونات الصناديق بعد مضي يومين من شراء الأسهم، وبشرط أن تقدم فقط للمستثمرين المحترفين، وليس لعامة المتداولين، إلا أنه لم يؤخذ بهذا الأسلوب في الولايات المتحدة.
الطريقة التي تم التوصل إليها لمعالجة هذه المشكلة، تعتمد على فكرة أن الإفصاح في حد ذاته ليس هو المهم، بل المهم القيام بعمليات المراجحة لضمان بقاء السعر السوقي بشكل عادل في جميع الأوقات، لكن كيف يمكن ممارسة المراجحة إذا كان المتداول المحترف لا يعلم ما الأسهم التي سيتم بيعها أو شراؤها؟ الحل يتم من خلال وسيط موثوق به يكون على اطلاع بمكونات الصندوق ويستطيع البيع والشراء حسب هذه المعلومة، وأما المتداولون فهم فقط يطلبون من الوسيط الموثوق تنفيذ العملية دون معرفة الأسهم المنفذ عليها المراجحة. أي إن الصندوق يقوم بنشر القيمة العادلة كل ثانية أثناء التداول، وفي حال حدوث فرصة للمراجحة، يقوم المتداولون بتوجيه الوسيط بتنفيذ العملية نيابة عنهم، ودون علم منهم بأسماء الأسهم ولا عددها.
أعتقد أن صناديق الأسهم المتداولة النشطة من الممكن تطبيقها في المملكة، وقد تتمكن السوق السعودية من معالجة مشكلة الإفصاح بشكل مناسب لطبيعة السوق لدينا، وهذا النوع من الصناديق سيجد شعبية عالية لدينا، وربما ينجح في زيادة شعبية الصناديق المتداولة، التي تعد إلى الآن ضعيفة في المملكة.
الصندوق المتداول النشط يعني قيام مدير الصندوق بنشر مكونات الصندوق بشكل يومي وبشكل كامل، ليتمكن الجميع من معرفة قيمة الصندوق الحقيقية وليس فقط قيمته السوقية. هذا الإفصاح في غاية الأهمية، ليس فقط من باب الشفافية وبناء الثقة، بل بسبب ضرورة مزاولة عمليات المراجحة أو “آربيتراج”، التي يقوم فيها كبار المتداولين وصناع السوق بعمليات اشتراك واسترداد مهمة تؤدي إلى بقاء سعر الصندوق السوقي قريبا جدا لسعره الحقيقي.
نقلا عن الاقتصادية