نمت استثمارات معظم صناديق الثروة السيادية حول العالم، لكنها تباينت في نموها من صندوق سيادي لآخر، حسب محددات تتبعها إدارة كل صندوق، حيث يُعد صندوق الثروة السيادية النرويجي أو ما يُعرف رسميًا بالصندوق الحكومي لمعاشات التقاعد – العالمي من أنجح الصناديق السيادية في العالم، من حيث القوة، وتنويع محفظة الاستثمارات والعائدات، فقد بلغت استثماراته أكثر من 1.3 تريليون دولار بنهاية 2020م.
ويحظى الصندوق السيادي النرويجي بالترتيب الأول من حيث القيمة، ليأتي بعده في المرتبة الثانية الصندوق السيادي الصيني بحوالي 1.046 تريليون دولار. أما صندوق أبوظبي السيادي فيأتي في المرتبة الثالثة بحوالي 579.621 تريليون دولار، حيث يُعد أكبر صندوق في منطقة الشرق الأوسط.
حقيقة يُعدّ الصندوق النرويجي مفخرة للنرويج من حيث إدارته واستثماراته وعائداته وشفافيته ومصداقيته وتقاريره المالية الدورية. ولقد كانت مبادرة الحكومة النرويجية بإنشاء صندوق معاشات التقاعد – العالمي في عام 1990م لاستثمار الفائض المالي النفطي في شركات قوية بمختلف الأسواق المالية العالمية المختارة بدقة، وكذلك الاستثمار في شركات ذات أصول قوية في النرويج وخارجها. وكان لتراجع أسعار النفط في عام 1986م الدافع الكبير لإنشاء الصندوق للتحوط من تذبذبات أسعار النفط في المستقبل، وكذلك للتحوط من نضوبه أو الاستعاضة عنه ببديل. وللعلم يستثمر الصندوق النرويجي في السوق المالية السعودية في شركات حددتها إدارته.
قوة الصندوق السيادي النرويجي لا تضاهيها قوة صناديق ثروة سيادية عالمية أخرى، بما فيها صندوق التأمينات الاجتماعية الأمريكي، بالرغم من ضخامة استثماراته؛ لأن عائداته أقل بكثير من عائدات الصندوق السيادي النرويجي الذي بلغت نسبة عائداته الاستثمارية في 2020م حوالي 33 مليار دولار.
ولمعرفة مدى قوة صندوق الثروة السيادية النرويجي، فقد قسمت إجمالي الاستثمارات 1.3 تريليون دولار على عدد سكان النرويج والبالغ 4,462,831 بتاريخ 26 يونيو 2021 فكان نصيب كل نرويجي حوالي 291.3 ألف دولار أو حوالي مليون و93 ألف ريال سعودي. أما أرباحه في 2020م فقد بلغت 403 مليارات دولار أمريكي.
ولو افترضنا أن الحكومة النرويجية رغبت في توزيع هذه العائدات على سكان النرويج في نهاية عام 2020م لكان نصيب كل مواطن نرويجي حوالي 90301 ألف دولار. وهذا دليل على قوة الصندوق السيادي النرويجي، من حيث الإدارة في اختيارها قنوات الاستثمار الرابحة.
وستستفيد الأجيال النرويجية الحالية والقادمة من عائدات صندوق الثروة السيادية النرويجي العملاق عندما تنضب حقول النفط، بحيث يستمر النرويجيون في جني الأرباح والمكاسب المالية من تنامي الأصول التي حققها الصندوق التقاعدي الحكومي الشامل عوضًا عن إيرادات النفط المتراجعة.
ويكمن سر نجاح وتميز إدارة الصندوق السيادي النرويجي في الشفافية والمهنية، وتحديد ووضوح المسؤولية والمحاسبة أمام البرلمان والحكومة والشعب النرويجي. ويدير البنك النرويجي استثمارات الصندوق السيادي النرويجي، وهو مؤسسة منبثقة عن البنك المركزي النرويجي. وقد أخذ البنك النرويجي لإدارة الاستثمار في الاعتبار أمام عموم الشعب النرويجي تعظيم عائدات استثمار الصندوق بالتناسب مع المخاطر الاستثمارية. إدارة البنك النرويجي لإدارة الاستثمار السيادي مسؤولية ومحاسبة من قِبَل وزارة المالية النرويجية والبرلمان النرويجي.
البنك النرويجي لإدارة الاستثمار مُطالَب بتقارير دورية للأداء المالي للصندوق، بالإضافة إلى التقرير السنوي، بحيث تدقق من شركات متخصصة لها صفة استقلالية عن الحكومة والبرلمان والصندوق والبنك النرويجي لإدارة الاستثمار. وبالرغم من الخبرة الطويلة للبنك المركزي النرويجي التي تجاوزت 200 عام، حيث تم تأسيسه في عام 1816م، إلا أن البنك النرويجي لإدارة الاستثمار والمنبثق عنه قد تعرض للانتقاد بسبب الخسارة الكبيرة في 2008م، جراء إفلاس ليمان برذرز Lehman Brothers وبنك واشنطن Washington Mutual خلال الأزمة المالية العالمية.
وختامًا، تتميز إدارة الصندوق السيادي النرويجي العملاق بمصداقية وشفافية عاليتين، ومكشوفة للنرويجيين. وبالرغم من أنها مكشوفة للمنافسين من الصناديق السيادية العالمية، لكنها مطلوبة من قِبَل الحكومة ممثلة بوزارة المالية والبرلمان النرويجي.
نقلا عن صحيفة اليوم