الجمعة 19 رمضان 1445هـ 29-مارس-2024م
ADVERTISEMENT

لمنافسة «وول ستريت».. صناديق تحوط صينية تدفع 300 ألف دولار سنوياً للموهبين حديثي التخرج

صناديق - وكالات

قرر غارين تشو، المتخصص في علوم الكمبيوتر تأجيل دراسته في الولايات المتحدة بسبب الوباء وتقدم بطلبٍ للحصول على تدريب داخلي في واحدة من كبرى شركات الإنترنت في الصين.

انتهى خريج جامعة بكين إلى العمل في “يوبيكوانت” (Ubiquant) صندوق التحوط الصيني الذي يدير أصولاً بقيمة 8 مليارات دولار ويقدم رواتبَ لخريجي الجامعات تصل إلى 300 ألف دولار سنوياً.

وبعد عام من التحاق تشو بالعمل أصبح موظفاً دائماً بالصندوق وتخلى عن رغبته في الالتحاق بجامعة “جونز هوبكنز”.

يقول تشو البالغ من العمر 23 عاماً: “فوائد البقاء في هذه الوظيفة تفوق كثيراً مزايا الدراسة في الولايات المتحدة على صعيد المعرفة والعائد المالي”.

تحول اتجاهات التوظيف

تقدم شركات مثل “يوبيكوانت” ثلاثة أضعاف الراتب الذي يحصل عليه نخبة الخريجين الجدد بمجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم الكمبيوتر في وول ستريت والبالغ 100 ألف دولار، ما

يعكس التحول في اتجاهات التوظيف بالقطاع المالي العالمي نتيجة تداعيات الوباء وزيادة ثروة الأسواق الناشئة، فبدلاً من التطلع لاستكمال التعليم في الولايات المتحدة للحصول على فرصة للعمل بالشركات العالمية أو حتى البقاء في الولايات المتحدة، يختار بعض أفضل وأذكى الخريجين حول العالم البقاء في أوطانهم.

يتزايد الطلب على الخريجين، وبشكلٍ خاص في صناديق الاستثمار التي تستخدم نماذج الحوسبة في التداول التي زادت من تدفقات الأفراد الأثرياء في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث تضاعفت أصول تلك الصناديق في الصين 10 مرات، مقارنة بقيمة أصولها منذ أربع سنوات لتتجاوز تريليون يوان (155 مليار دولار) وفقاً لتقديرات شركة “سيتيك للأوراق المالية”.

منافسة على المواهب

لكن صناديق الاستثمار الكمية – التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في التداولات – تتنافس مع عمالقة الإنترنت مثل “بايت دانس” المالكة لتطبيق “تيك توك” ومجموعة “علي بابا” وكذلك صناديق تحوط عالمية من بينها “بيردجووتر” و”سيتاديل” على تعيين الخريجين.

وقد تجاوز صراع توظيف المواهب قطاع الأعمال، حيث تضع الصين والولايات المتحدة التفوق التكنولوجي أهدافاً وطنية استراتيجية وتركز على تقديم المزيد من الدعم للبحث والابتكار وأمن البيانات.

يقول وانغ تشين، مؤسس شركة “يوبيكوانت” التي تتخذ من بكين مقراً لها، والبالغ من العمر 39 عاماً: “من المهم جداً بالنسبة لنا الوصول إلى المواهب في وقتٍ مبكر؛ لأنه بمجرد سفرهم للخارج للدراسة سيكون لديهم المزيد من الخيارات وسيتعين علينا منافسة شركات عالمية. لقد زاد استعدادهم بشكل كبير للانضمام لنا مقارنة بالسنوات القليلة الماضية”.

تعليم مرموق

تستمر ظاهرة السعي للحصول على مستوى متقدم من التعليم في الخارج، وقد ارتفع عدد الطلاب الصينيين الذين يسعون للحصول على درجات علمية في علوم الكمبيوتر بالولايات المتحدة بشكلٍ متزايد خلال العقد الماضي.

ومع تأجيل المزيد من الطلاب لدراساتهم بسبب قيود السفر التي فرضها انتشار الوباء عالمياً، قامت شركات مثل “يوبيكوانت” بتعديل استراتيجية التوظيف الخاصة بها وتقديم تدريب داخلي لمدة عام واحد فقط.

نجحت استراتيجية “يوبيكوانت”، حيث شهد الصندوق تدفق المواهب للالتحاق بالتدريب بسبب كوفيد- 19 إضافة إلى معاناة صناعة التكنولوجيا في الصين من القيود التنظيمية. فقد قفزت أعداد التطبيقات 6 مرات هذا العام لتصل إلى أكثر من 300 تطبيق، مقارنة بوقت تأسيس الشركة.

ازدهار القطاع المالي

تستفيد شركة ” تشجيانغ هاي فلاير” لإدارة الأصول والتي تمثل أكبر صندوق كمي في البلاد يدير أكثر من 10 مليارات دولار من تغير أولويات الخريجين أيضاً، حيث قام الصندوق بتوظيف نحو 10 باحثين خلال العام الماضي، والذين تخلى الكثير منهم عن الدراسة بالخارج بسبب الوباء وفقاً للرئيس التنفيذي سيمون لو.

كذلك وظفت شركة “شنغهاي مينغون للاستثمارات” التي تدير أصولاً تبلغ قيمتها 8.5 مليار دولار في الصين أكثر من 10 خبراء في مجال الذكاء الاصطناعي والبرمجة في السنوات الأخيرة وفقًا لمؤسس الشركة كيو هويمينغ.

كما أعلنت شركة “لينغوين إنفستمنت” التي تدير أصولاً تبلغ قيمتها نحو 7.7 مليار دولار عن التخطيط لزيادة فريقها البحثي والاستثماري بنحو الثلث، ليصل إلى 140 شخصاً بحلول نهاية العام.

تتزامن ظاهرة الأجور المرتفعة بصناديق التحوط مع الاتجاه العالمي الأوسع، حيث تزدهر أعمال القطاع المالي. وقد قفزت رواتب الموظفين الجدد في البنوك الاستثمارية الكبرى بوتيرة متسارعة بسرعة لتصل إلى 6 أرقام قبل المكافآت في غضون بضعة أشهر نتيجة استجابة الإدارات التنفيذية لتمرد أثاره عرض تقديمي من مجموعة من المحللين حديثي الالتحاق ببنك “غولدمان ساكس” اعتراضاً على تزايد المتطلبات المعيشية في وول ستريت.

بينما تساعد صناديق التحوط الصين في الاحتفاظ بالمواهب في المجالات الاستراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي، لكن الرواتب المرتفعة تتزامن مع ما أشار إليه الرئيس شي جين بينغ في خطابه بشأن “الرخاء للجميع” حيث يستهدف الحزب الشيوعي التصدي للزيادة المطردة التي تشهدها الثروات الضخمة.

اختيار دقيق

تجري “يوبيكوانت” التي تقع بالقرب من جامعة “تشينغوا” المرموقة في الصين اختبارات شاملة للمتقدمين لشغل الوظائف، تمتد من البرمجة إلى الإحصاء وتقوم بفحص شهادات التخرج.

ووظفت الشركة نحو 10 خريجين جدد العام الماضي، في الوقت الذي رفضت فيه متقدمين فازوا بمسابقات علوم الرياضيات الوطنية والتي تعد واحدة من أكثر الجوائز المرموقة للطلاب الأصغر سناً.

أشار وانغ إلى أنه عرض على الموظفين ذوي الخبرة رواتب تبلغ مليون دولار سنوياً إضافة لما تقدمه الشركة من حوافز لكبار الموظفين مثل المكافآت لمرة واحدة بقيمة 10 ملايين يوان أو مشاركة الأرباح لمن ينجحون في استراتيجيات الاختراق في التداولات، وهو ما يجعله مطمئناً لإمكانية توظيفه للمواهب والمنافسة في ذلك مع الشركات العالمية.

قال وانغ: “لن ندخر جهدا في توظيف من نعتقد أنه يستحق ذلك”.

وتيرة العمل

بالعودة للمقر الرئيسي لشركة “يوبيكوانت”، ركز تشو وزميله ناتان لين اللذان انضما للشركة العام الماضي على تعلم عمليات البرمجة، وأبحاث الشركة الحالية خلال الأربعة أشهر الأولى من فترة تدريبهم.

يقول لين البالغ من العمر 22 عاماً: “أحب حقيقة أن كود البرمجة وعملك يتحدثان عنك” بدلاً من الاضطرار إلى التواصل مع العملاء.

وأشار إلى أن طبيعة العمل، بالإضافة إلى تقديم الشركة أفضل عرض للراتب كان السبب في انضمامه للعمل بدلاً من “بايت دانس” أو الالتحاق بوظيفة في البنوك.

الاستمرارية تسيطر على طبيعة العمل. حيث يبدأ العمل الساعة 10 صباحاً يومياً لمدة ساعة ونصف قبل التوجه لاستراحة الغداء والحصول على قيلولة سريعة في المكاتب والعودة لاستئناف العمل في الواحدة بعد الظهر، حيث يتم التركيز على كتابة رموز البرمجة وتطبيق استراتيجيات العصف الذهني حتى الساعة 7 أو 9 مساءً قبل الانطلاق إلى صالة الألعاب الرياضية، فيما يلعبون كرة الطاولة في الأغلب داخل المكتب مع زملائهم.

يقول تشو: “العمل هنا يتماشى مع طبيعة كونك شخص مهووس بتطوير ذاتك، فطالما بَقِيت أتعلم سأستمر في العمل”.

ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *