الجمعة 19 رمضان 1445هـ 29-مارس-2024م
ADVERTISEMENT

تحليل لأداء صناديق الاستثمار في السعودية بنهاية الربع الثالث

د. فهد الحويماني

تناولنا في تقرير سابق بعنوان «قارن أداءك بأداء صناديق الاستثمار» تحليلا لأداء صناديق الاستثمار في المملكة خلال 2020، وأوضحنا مدى ملاءمة هذه الصناديق للمستثمرين وكيفية الاختيار فيما بينها حسب طبيعة كل صندوق ودرجة المخاطرة لدى المستثمر. هذا الأسبوع نلقي نظرة على الصناديق الاستثمارية بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، الذي انتهى الخميس الماضي.

كثير من الناس يسمع عن سوق الأسهم ويود المشاركة فيها، فيقوم بفتح حساب استثماري لدى أحد البنوك ويبدأ محاولة استيعاب ما يدور في هذه الساحة الكبيرة من شد وجذب وارتفاعات وانخفاضات، فيتوه بين التحليلات والآراء والتوصيات ليجد نفسه يشتري ويبيع من هنا وهناك، بين أفراح وأتراح وابتهاجات وانكسارات، لذا فإن أول سؤال هو: هل صناديق الاستثمار مناسبة لجميع المستثمرين؟

صناديق الاستثمار عبارة عن محافظ تدار من قبل مختصين يعملون في مؤسسات مالية مرخصة تعمل وفق استراتيجيات وأهداف استثمارية محددة، وبالتالي فهذه الصناديق هي الوسيلة المفضلة لمن لا يملك المعرفة أو الوقت اللازم للقيام بالاستثمار بنفسه. وبالتالي فهي لا تناسب الجميع ولكنها غالبا تكون الخيار الأنسب لكثير من المستثمرين.

أداء الصناديق بنهاية الربع الثالث 2021

فقط 7.6 في المائة من صناديق الاستثمار حققت أداء سلبيا بقياس أدائها السعري من بداية 2021 إلى نهاية الربع الثالث 2021، ولم تتجاوز معدلات النمو لأي من هذه الصناديق 46 في المائة، في حين حقق صندوق ديار جدة العقاري أكبر هبوط في السعر بنسبة 99 في المائة، وذلك بسبب تصفية الصندوق وإقفاله عقب بيع مخططات كان يملكها. وكالمعتاد هيمنت صناديق أسواق النقد على قائمة أكبر عشرة صناديق من حيث قيمة الأصول ولم يتخلل القائمة سوى صندوقين من قطاعين آخرين وهما شركة الأهلي المالية والإنماء للاستثمار.

واقتنصت الصناديق المتخصصة في الأسهم المركز الأول في قائمة القطاعات الأعلى نموا، حقق منها فقط أربعة صناديق من 137 صندوق أداء سالبا، وسبب الخسائر أن هذه صناديق مستثمرة في إما أسهم آسيوية أو أسهم صكوك أو أسهم ذهب. لذا فقد كانت عوائد الصناديق المستثمرة في الأسهم السعودية والأمريكية والأوروبية متميزة خلال العام، ولم يسجل أي منها خسائر، وكان أقلها عائدا صندوق الجزيرة المتنوع المتحفظ، بنسبة نحو 4 في المائة.

أما الصناديق المتخصصة بالعقارات فقد كان أداؤها متواضعا بحدود 1.9 في المائة بالمتوسط، وهذا لا يشمل الأداء المخيب لصندوق سامبا العقاري، سالب 80 في المائة، بسبب مشكلة متعلقة بإلغاء عدد من الصكوك العقارية التي كان يملكها. كما أن متوسط نسبة الأداء 1.9 في المائة لا تشمل صندوق ديار جدة الذي انتهت مدته وتمت تصفيته.

صناديق تنمية رأس المال تحقق غايتها

من حيث الهدف الاستثماري تستحوذ صناديق المحافظة على رأس المال على نحو 56 في المائة من إجمالي قيمة صناديق الاستثمار، وفي المقابل سجلت صناديق تنمية رأس المال أعلى نمو بنسبة 18.4 في المائة، رغم أن 8 في المائة من هذه الصناديق سجلت مؤشرات سالبة. يأتي بعد ذلك صناديق النمو والدخل التي لا تشكل سوى 1.3 في المائة من إجمالي أصول الصناديق الاستثمارية بالسعودية، إلا أن متوسط أدائها كان 12 في المائة.

الصناديق المحلية تتميز في أدائها

حقق 99 صندوقا من أصل 102 صندوق استثمار محلي مؤشرات إيجابية لتصبح الصناديق المحلية هي الأعلى نموا بنهاية الربع الثالث 2021، وتبعتها بفارق ضئيل الصناديق الخليجية التي لم تحقق أي خسائر، بل بلغ نمو أقل صناديقها، شركة البلاد للاستثمار، 18.2 في المائة، وعلى نحو مماثل لم تحقق الصناديق العربية والأمريكية والأوروبية أي تراجع، في حين حققت الصناديق الآسيوية انخفاضا بنسبة 2.5 في المائة، عدا صندوق الرياض للأسهم اليابانية بنسبة 10.7 في المائة، والجزيرة للأسهم اليابانية بنسبة 5.74 في المائة.

كيف يقوم الشخص باختيار صندوق الاستثمار؟

قبل اختيار الصندوق يجب على الشخص تحديد درجة المخاطرة التي يقبل بها، وتحديدا تعني تحديد أقصى مدة يستطيع فيها ترك أمواله لدى الصندوق، وتحديد نسبة الانخفاض في سعر الصندوق الممكن له تقبلها في أي وقت من الأوقات. وعندما يتم تحديد المدة ونسبة الانخفاض يستطيع الشخص أن يحدد نوع الصندوق وهل هو مختص بالأسهم أو السندات أو السلع أو العقار، أو متنوع، أو أن يكون صندوقا يستثمر في عدد من الصناديق، ما يسمى صندوق الصناديق.

يوجد في موقع شركة السوق المالية “تداول” صفحات خاصة بصناديق الاستثمار يمكن من خلالها استعراض جميع الصناديق المتاحة واختيار الصندوق المناسب بسهولة.

ما الفرق بين نسبة المصروفات والأتعاب الإدارية ورسوم الاشتراك؟

جميع الصناديق ملزمة بالإفصاح عن جميع المصروفات المالية التي يتم استقطاعها من أموال الصندوق، كون أموال الصندوق هي أموال المشتركين في الصندوق، ومن السهولة بمكان، بغياب المهنية اللازمة، قيام الصندوق بتحميل مصروفات متنوعة على المشتركين، بدلا من دفعها من أموال الجهة القائمة على الصندوق.

نسبة المصروفات تعني جميع المصروفات التشغيلية من مرتبات موظفين ومصروفات شهرية مرتبطة بتشغيل الصندوق، كرسوم الحفظ والمراجعة ورسوم السوق المالية. أما الأتعاب الإدارية فهي مصروفات إدارية وتسويقية مختلفة، كالمصروفات المعتادة في أي مؤسسة أو شركة. أما رسوم الاشتراك فهي عبارة عن عمولة شراء وحدات في الصندوق وتأتي على شكل نسبة من رأس المال المستثمر. على سبيل المثال، قد يذكر صندوق أن نسبة المصروفات 0.75 في المائة وأن الأتعاب الإدارية 1.75 في المائة، وأن الاشتراك يكلف الشخص 1.50 في المائة من مبلغ الاستثمار، ومن المعروف أن هيئة السوق المالية تلزم جميع الصناديق بعرض هذه المصروفات بشكل واضح ومفصل مع أمثلة.

ما الذي يحدد نسبة المصروفات الإجمالية للصندوق؟

النسب المعقولة للرسوم تعتمد على أمرين، الأول ما إذا كان الصندوق يدار بطريقة نشطة، وهذا تقريبا جميع صناديق الاستثمار التقليدية، أو أن الصندوق يدار بطريقة ساكنة: أي أن دور مدير الصندوق يقتصر على ملاحقة تركيبة مؤشر استرشادي معين، فيشتري كميات محددة من الأسهم ليصبح أداء الصندوق مطابقا أو قريبا جدا لأداء المؤشر الاسترشادي. ولذلك فإن المصروفات الإجمالية في هذه الحالة تكون قليلة جدا، ومثال ذلك صناديق المؤشرات المتداولة، التي يوجد منها في المملكة صندوقان لشركة فالكوم وصندوق لشركة إتش أس بي سي، كما توجد هناك صناديق استثمار تقليدية تدار بطريقة ساكنة.

نسبة المصروفات كذلك تكون أقل في حالة صناديق المرابحة، أو صناديق الأسواق النقدية، وذلك لضخامة حجم هذه الصناديق ومحدودية أساليب الاستثمار المتبعة فيها، كونها تستخدم كأدوات قصيرة ومتوسطة المدى لإدارة النقدية، من خلال الإقراض والاستثمار في سندات عالية الأمان، وبالتالي يكون العائد من هذه الصناديق متدنيا جدا، غالبا لا يتجاوز 3 في المائة في العام.

بشكل عام، كلما تنوعت استثمارات الصندوق وارتفعت نوعية المهارة المطلوبة من مدير الصندوق ارتفعت نسبة المصروفات من إجمالي أصول الصندوق.

ما تأثير المصروفات الإجمالية في أداء الصندوق؟

لو كان شخص لديه 100 ألف ريال، وقرر الاستثمار لمدة خمسة أعوام، على سبيل المثال، وهذا الشخص لا يمانع بالقبول بانخفاضات في سعر الصندوق قد تصل إلى 20 في المائة وأكثر، فيمكنه الاتجاه إلى أحد صناديق تنمية رأس المال، ولتكن مثلا نسبة المصروفات لدى هذا الصندوق 0.75 في المائة والأتعاب الإدارية 1.75 في المائة والاشتراك 1.50 في المائة، لذا سيحتاج هذا الشخص أن يدفع 1500 ريال للاشتراك، وفي كل عام سيتم استقطاع تقريبا 2500 ريال من رأس ماله.

طريقة حساب مبالغ الاستقطاع وتوقيتها تتم بشكل يومي ومن خلالها يتحدد سعر وحدة الصندوق الذي ينشر مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع غالبا.

النقطة المهمة هنا هي أن سعر الصندوق المعلن هو السعر النهائي بعد جميع المصروفات، وهذه نقطة مهمة لا يتنبه إليها بعض المستثمرين، وهي أن البعض يعتقد أنه طالما أن سعر الوحدة في حالة ارتفاع فلم الاهتمام بمصروفات الصندوق؟ المشكلة هنا أن مصروفات الصندوق ثابتة بغض النظر عن اتجاه سعر الوحدة، هذا أولا، وثانيا هناك مفهوم الأداء النسبي وليس المطلق، بمعنى أنه حتى لو كان أحد الصناديق لديه أداء رائع بنسبة 20 في المائة، إلا أن هذا الأداء ربما أقل من أداء المؤشرات الرئيسة، أو ربما أقل من أداء المؤشر الاسترشادي الذي يتتبعه الصندوق! وأخيرا هذه المصروفات على الرغم من كونها تبدو قليلة، بحدود 3 في المائة سنويا، إلا أن حجمها مع مرور الوقت قد يساوي أو يزيد على العائد المتحقق للمستثمر في الصندوق.

هل أداء الصناديق يتكرر من عام إلى آخر؟

عادة، الصناديق المتميزة تكون لديها إدارة متميزة، وعلى الرغم من ذلك لا يمكن الاستمرار بالأداء نفسه من عام إلى آخر، وإذا كان الصندوق يدار بطريقة نشطة ومن دون محاكاة لأداء مؤشر استرشادي، فغالبا سيكون الأداء متذبذبا أكثر وأكثر. وعلى الرغم من ذلك، يمكن من خلال موقع “تداول” مشاهدة أداء الصندوق لعدة أعوام، وليس فقط لعام واحد، ومنها يمكن أن يستشف المستثمر مدى احترافية إدارة الصندوق وتميزها.

أداء متميز لصناديق تنمية رأس المال في الأسهم السعودية

في المركز الأول لأفضل عشرة صناديق استثمارية ممن يستثمر في السوق السعودية بهدف تنمية رأس المال للربع الثالث 2021، نجد أن الفروقات في الأداء متقاربة جدا، وهو أمر غريب إلى حد كبير، فنجد أن أفضل أداء بنسبة 45.90 في المائة من نصيب صندوق صائب للشركات السعودية، ولكن جميع الصناديق الأخرى كان أداؤها بين 41.50 في المائة 45.83 في المائة.

ما سبب تقارب أداء هذه الصناديق؟ خلال 2021 حقق المؤشر العام للأسهم السعودية ارتفاعا بنسبة 32 في المائة، وإذا احتسبنا الأرباح الموزعة خلال الأشهر التسعة وقدرناها بنسبة 4 في المائة، فيكون أداء المؤشر 36 في المائة، بينما هذه الصناديق العشرة حققت متوسط أداء بحدود 43.80 في المائة، وذلك بعد خصم جميع المصروفات. لذا لا يزال لهذه الصناديق أداء مميز، ولكن بالطبع لا ننسى أننا ننظر لأفضل عشرة صناديق وليس لجميع الصناديق.

أما الصناديق التي تستثمر بغرض تنمية رأس المال في الأسهم الدولية فكان أداؤها أقل من نظيرتها التي تستثمر في الأسهم السعودية، حيث كان أفضل أداء لصندوق الرياض للأسهم الأمريكية بنسبة 28 في المائة، وهذا أفضل من أداء مؤشر داو جونز بنهاية الربع الثالث 2021 والبالغ نحو 12 في المائة. أما أسوأ أداء من بين أفضل عشرة صناديق دولية فكان من نصيب الأسهم الآسيوية والصينية.

صناديق المحافظة على رأس المال هدفها الرئيس تجنب المخاطرة والقبول بعائد متواضع، وتستثمر غالبا في أسواق النقد متدنية العائد، وهي تناسب من لديه مبلغ من المال يحتاج إليه قريبا ويود الحصول على فائدة أعلى مما هو متاح من خلال الودائع البنكية، وفي قائمة أفضل عشرة صناديق للمحافظة على رأس المال، كان المتوسط بحدود 1.9 في المائة، علما أن بعض هذه الصناديق تستثمر في مرابحات أعلى خطورة من المعتاد وبعضها تستثمر كذلك خارج سوق النقد، لذا نرى عائدي الصندوقين الأول والثاني مرتفعة نسبيا.

متوسط أداء أفضل عشرة صناديق للنمو والدخل بلغ 24 في المائة، وهذا يعد أداء عاليا كون هذه الصناديق تستثمر في شركات لديها نمو سعري جيد ولديها توزيعات نقدية كل ثلاثة أشهر غالبا، فهي تناسب أولئك الذين يبحثون عن استثمار على المدى الطويل مع أرباح نقدية دورية.

خاتمة

تم في هذا التحليل إلقاء نظرة على صناديق الاستثمار المتاحة للمستثمرين داخل المملكة، حيث رأينا أن القرار الأول للمستثمر هو تحديد المدة الزمنية المخصصة للاستثمار وتحديد مدى قدرته على تحمل مخاطر الانخفاض في أسعار الصناديق. لذا فمن لديه ارتباطات مالية خلال عدة أشهر إلى عام أو عام ونصف العام، فربما الأفضل له القبول بنسبة عائد متدنية من خلال أحد صناديق المحافظة على رأس المال. ومن لديه مبلغ كبير نسبيا من المال ويود استثماره ولكنه بحاجة إلى الحصول على دخل دوري، فيمكنه اختيار أحد صناديق الدخل أو النمو والدخل معا.

ومن له نظرة معينة في حركة بعض الأسواق الدولية الأخرى أو لديه وجهة نظر خاصة بالعقار أو السلع فيمكنه الاستثمار في أحد الصناديق المتخصصة. وفي النهاية، لا تختلف صناديق الاستثمار في وجود عنصر المخاطرة بها، وإن كان بدرجات متفاوتة، إلا أن ما يميزها أنها تغني الشخص عن الاستثمار بنفسه وتقدم خيارات كثيرة لا يمكن للشخص العادي أن يقوم بها بنفسه.

نقلا عن صحيفة الأقتصادية

ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *