الجمعة 19 رمضان 1445هـ 29-مارس-2024م
ADVERTISEMENT

الصناديق التقاعدية العالمية تواجه أزمة مدخرات .. 52 تريليون دولار أصولها الاستثمارية

صناديق - وكالات

عندما تحقق شركة ما أو مؤسسة أو أي كيان ذو صبغة اقتصادية أرباحا تقدر بـ17 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر، فلا شك أننا نتعامل مع كيان يتمتع بثقل اقتصادي لا يستهان به، ومن ثم فعلينا البحث في شأنه وقدراته بكثير من الدقة والتقدير.

وعندما تحقق مؤسسة اقتصادية تلك العائدات الإيجابية للربع السادس على التوالي، فعلينا أن نفهم وبصورة جلية أننا نتعامل مع مؤسسة تنتمي إلى صناعة ذات شأن عظيم.

المؤسسة التي حققت تلك المليارات من الأرباح، هي الصندوق الياباني الحكومي لاستثمار معاشات التقاعد، أكبر صندوق تقاعد في العالم، أما الصناعة التي ينتمي إليها فهي صناديق المعاشات التقاعدية.

صندوق المعاشات الياباني حقق أرباحه بفضل الأداء القوي للاستثمارات اليابانية، فالبورصة اليابانية ولفترة وجيزة كانت موطنا لأفضل أسواق الأسهم أداء هذا العام، إذ حققت زيادة بنسبة 5.4 في المائة، في وقت انخفضت الأسهم على الصعيد العالمي بنسبة 0.8 في المائة، خاصة مع تصاعد قلق المستثمرين في الولايات المتحدة وأوروبا وبريطانيا بتحولات مقبلة في السياسات النقدية التيسيرية التي اتبعتها البنوك المركزية لأعوام.

تعد صناديق التقاعد على مستوى العالم من أقوى المؤسسات الاقتصادية وأكثرها ثراء وتأثيرا في الاقتصاد الدولي، حيث استمرت أصول صناديق المعاشات التقاعدية في أكبر 22 سوقا رئيسا في الصعود خلال عام 2020 على الرغم من تأثير وباء كورونا، إذ ارتفعت بنسبة 11 في المائة ليصل إجمالي أصولها الاستثمارية إلى 52.5 تريليون دولار بنهاية العام الماضي.

ووفقا لدراسات حديثة فإن أكبر سبع أسواق لأصول المعاشات التقاعدية هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا وهولندا وكندا وأستراليا واليابان وتحظى مجتمعة بنسبة 92 في المائة من إجمالي أصول المعاشات التقاعدية في العالم، وتظل الولايات المتحدة أكبر سوق للمعاشات التقاعدية دوليا حيث تمثل منفردة 62 في المائة من أصول معاشات التقاعد في جميع أنحاء العالم، تليها اليابان والمملكة المتحدة بنسبة 6.9 و6.8 في المائة على التوالي.

ويمكن التعرف على مقدار الزيادة في إجمالي أصول المعاشات التقاعدية عند تقديرها كنسبة من متوسط الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغت تلك النسبة نحو 80 في المائة بنهاية العام الماضي مقارنة بـ 11.2 في المائة فقط عام 1998.

بدوره، يعتقد تيم هال نائب المدير التنفيذي لصندوق التقاعد البريطاني “إنتراكتف إنفستر” أن الصناعة تتمتع الآن بمرونة وصحة جيدة وفي وضع يمكنها من التغلب على الآثار الاقتصادية وغير الاقتصادية لوباء كورونا.

لكنه مع ذلك، يشير لـ”الاقتصادية” إلى مجموعة من التحديات التي تواجه صناديق التقاعد، قائلا “الاستدامة وضمان الاستمرارية هو الذي سيشكل مستقبل الصناعة في العقود المقبلة، وسيكون على المسؤولين عن أنماط الاستثمار التي تقوم بها صناديق التقاعد توسيع آفاقهم الاستثمارية، واستغلال جميع الفرص المتاحة في ظل المنافسة المحتدمة بين صناديق التقاعد وبعضها بعضا من جانب، والمنافسة بينها وبين المؤسسات الاستثمارية الأخرى من جانب آخر، يضاف إلى ذلك وجود أعداد أكبر من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما مقارنة بمن هم دون سن الخامسة، وهذا يعني أنه في المستقبل سيكون هناك عدد أقل من الشباب الذي لديه القدرة على دعم العدد المتزايد من المتقاعدين”.

وفي الواقع فإن الأرقام الضخمة لقيم الأصول التي تتمتع بها صناديق التقاعد على المستوى العالمي، وتمتع الصناعة بالمرونة والنجاح في الوقت الراهن لا ينفي أن بعض الخبراء يستشرفون أزمة ضخمة بحلول منتصف القرن، محذرين من أن فترات التقاعد الطويلة نتيجة التقاعد المبكر، قد تجعل من الصعب سد فجوة مدخرات التقاعد لدى الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة أو التي لديها مدخرات تقاعد كبيرة، حيث قدرت فجوة مدخرات التقاعد بـ70 تريليون دولار عام 2015 ومن المتوقع أن تصل إلى 400 تريليون بحلول منتصف القرن الحالي أي أكثر من خمسة أضعاف حجم الاقتصاد العالمي، وذلك نتيجة الضغط السكاني المتواصل على خطط التقاعد، وذلك وفقا المنتدى الاقتصادي العالمي.

ويرى الخبراء أنه رغم أن أنظمة التقاعد تختلف بشكل كبير من بلد إلى آخر، إلا أن المخاوف المالية بشأن فجوة مدخرات التقاعد ذات صبغة عالمية.

من جهته، يقول لـ”الاقتصادية” الخبير الاستثماري آر. دي لورنس، “الفجوة العالمية المتزايدة بين مدخرات التقاعد والدخل مدفوعة في المقام الأول بعاملين أساسيين العامل، الأول يتعلق بالشيخوخة المتزايدة والسريعة للسكان بسبب الاتجاهات الديموغرافية، والعامل الآخر يرتبط بنمو الطبقة المتوسطة على المستوى العالمي، مع رغبة متزايدة في تأمين حد أدنى من الدخل المستقبلي”.

لكن أكثر ما يقلق الاقتصاديين حاليا أن الحجم غير المسبوق للعجز المالي في معظم صناديق معاشات التقاعد، وعدد البلدان ذات الأهمية الاقتصادية التي تعاني تلك المشكلة، يمكن أن يمثل هزة عنيفة للاقتصاد الدولي إذا لم يوجد حل حقيقي لتلك المعضلة.

وربما يكمن الخطر في أنه مع كل أزمة اقتصادية ذات طبيعة دولية تتجه الأنظار إلى القطاع البنكي، ما أسفر مع مرور الوقت عن إجراءات تنظيمية نجحت كثيرا في سد الثغرات وجوانب القصور في المنظومة المصرفية العالمية عامة، وفي القطاع البنكي في البلدان المتقدمة على وجه الخصوص.

والأمر يختلف بالنسبة إلى صناديق التقاعد، إذ لا يتم التركيز عليها، من منطلق أنها صناعة ضخمة للغاية يصعب أن تنهار، كما أن المسؤولين عنها غالبا ما ينجحون في تقليل المخاطر التي يتعرضون لها ببيع التزاماتهم التقاعدية لشركات التأمين، وهذا يمثل بالنسبة إلى البروفيسور آران ريتشارد أستاذ مادة التأمين في كلية لندن للتجارة تحديا شديد الخطورة.

ويقول لـ”الاقتصادية” إن “نمو الترابط بين صناعة المعاشات التقاعدية وصناعة التأمين العالمية، أمر قد تكون عواقبه شديدة الخطورة مستقبلا وبما يسفر عن انهيار على مستوى النظام الاقتصادي ككل، فعواقب بيع صناديق التقاعد التزاماتها لشركة التأمين يلزمها بدفع رسوم تحويل كبيرة غالبا تتجاوز 30 في المائة من القيمة الإجمالية للصندوق، ويمكن إنفاق تلك النسبة على أشياء مثل الاستثمار والبحث والتطوير، ما يعني في كثير من الأحيان أن صناديق التقاعد تخرج باعتبارها الرابح في الأجل القصير، لكن في الأجل الطويل يبدو المشهد مختلفا تماما”.

ويضيف “إذا لم يتم فك هذا الارتباط فإن دافعي الضرائب سيكونون الخاسر الأكبر عند حدوث الأزمة، إذ سيتعين عليهم تقديم حزم إنقاذ لكل من شركات التأمين والصناديق التقاعدية للحيلولة دون انهيارها بشكل كامل”.

ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *