أكد خبراء صندوق النقد، إن اقتصاد المملكة العربية السعودية أثبت قدرته على الصمود بقوة في مواجهة الصدمات، إذ تُواصل الأنشطة الاقتصادية غير النفطية نموها، والتضخم تحت السيطرة، كما سجلت معدلات البطالة انخفاضا غير مسبوق.
وإنه على الرغم من انخفاض عائدات النفط وكذلك الواردات المرتبطة بالاستثمارات مما أدى إلى ظهور عجز مزدوج، فلا تزال هوامش الأمان الخارجية والمالية كبيرة، ويظل التوسع في الموقف المالي مقارنة بما خُطط له في الميزانية ملائمًا لتفادي اعتماد سياسة مالية مسايرة للدورة الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى تفاقم تباطؤ النمو.
قال صندوق النقد الدولي، إنه لا تزال سياسة ربط عملة الريال السعودي بالدولار الأمريكي ملائمة؛ مشيرا إلى أنها توفر ركيزة ذات مصداقية للسياسة النقدية، كما أنها مدعومة بهوامش أمان خارجية معتبرة.
وأضاف البيان الختامي الصادر من خبراء صندوق النقد الدولي عقب اختتام زيارتهم بشأن مناقشات مشاورات المادة الرابعة مع المملكة للعام 2025، أنه في ظل وجود حساب رأسمالي مفتوح، من الضروري أن يظل سعر الفائدة الأساسي للبنك المركزي السعودي متسقا مع سعر الفائدة الأساسي للاحتياطي الفيدرالي.
وأشار الصندوق، إلى استمرار البنك المركزي السعودي في تطوير إطار إدارة السيولة للمساهمة في الحد من تقلبات مستويات السيولة ككل.
قوة النمو الائتماني
وأوضح، أن أوضاع التمويل المصرفي في المملكة تتأثر بقوة النمو الائتماني ثنائي الرقم، مع الارتفاعات الحادة الدورية في فروق العائد بين سعر الفائدة بين البنوك السعودية (سايبور) وسعر التمويل المضمون لليلة واحدة (سوفر) انعكاسا لفترات من الضغوط على السيولة.
وأكد صندوق النقد الدولي، أنه ينبغي أن يظل تركيز عمليات البنك المركزي السعودي النقدية المعيارية القائمة على السوق منصبا على تمهيد اختلالات السيولة قصيرة الأجل بدون تعزيز نمو الأصول أو الائتمان.
وتوقع أن يؤدي الاتفاق مؤخرا على تبادل البيانات بين البنك المركزي السعودي ووزارة المالية فيما يتعلق بالمعاملات الحكومية المتوقعة إلى تحسين دقة تنبؤات السيولة وينبغي تنفيذه بفعالية، وإضافة إلى ذلك، من شأن مواصلة تعزيز إطار الاحتياطي الإلزامي المساهمة في تعزيز إطار الإدارة الفعالة للسيولة وانتقال آثار السياسة النقدية.
وأفاد صندوق النقد الدولي، بأن القطاع المصرفي السعودي لا يزال محتفظا بقدرته على الصمود، وهو ما يبرهن قوة رسملته وربحيته رغم ارتفاع تكاليف التمويل.
وتابع: «حسب الوضع في نهاية عام 2024، بلغت نسبة ملاءة القطاع 19.6%. وبرغم ارتفاع تكاليف التمويل – بسبب الحصة المتزايدة من الودائع محددة الأجل والودائع الادخارية – تحقق البنوك ربحية عالية، حيث بلغ متوسط العائد على الأصول 2.2% في عام 2024. ووصلت القروض المتعثرة إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2016، مما يعزز الاستقرار المالي الكلي».
ولفت الصندوق، إلى أن مؤشرات السيولة تتسم بكفايتها وأنها ضمن الحدود التنظيمية، رغم تراجع نسبة الأصول السائلة إلى الخصوم قصيرة الأجل، وظلت نسبة القروض إلى الودائع التنظيمية في اتجاه تصاعدي.
انخفاض عجز المالية العامة الكلي
وتوقع صندوق النقد الدولي، في بيان، تراجع عجز المالية العامة الكلي بالمملكة على المدى المتوسط، مشيرا إلى أنه بعد وصوله إلى مستوى ذروة بلغ 4.3% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2025، سيتراجع إلى ما يقرُب من 3.3% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2030، تدفعه العملية المستمرة لاحتواء فاتورة الأجور وتدابير كفاءة الإنفاق.
وقال صندوق النقد الدولي، إنه في ظل هذا السيناريو الأساسي، سوف يسجل العجز الأولي غير النفطي انخفاضا بنحو 4.2% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي خلال الفترة من عام 2025 إلى عام 2030، وسوف يُمَوَّل عجز المالية العامة في المقام الأول عن طريق الاقتراض، بما في ذلك من خلال إصدارات الدين، أو القروض المصرفية المشتركة أو التسهيلات التي تقدمها وكالات ائتمان الصادرات، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي وبلوغه نحو 42% بحلول عام 2030.
وأضاف صندوق النقد الدولي، أن استمرار الجهود الجارية التي تبذلها الحكومة لتعزيز مؤسسات المالية العامة يكتسب أهمية بالغة في دعم تصحيح أوضاع المالية العامة وأهداف رؤية السعودية 2030 .
وأشار، إلى أن تعزيز إطار المالية العامة متوسط الأجل يظل إحدى الأولويات، وخاصة من خلال تحسين دمج توقعاته متعددة السنوات في عملية إعداد الميزانية السنوية لتحقيق اتساق الحدود القصوى للإنفاق مع تنبؤات المالية العامة، بما في ذلك الالتزامات بموجب العقود متعددة السنوات، ومن شأن تفعيل قاعدة مالية قائمة على النفقات وضمان الامتثال لها المساعدة على تثبيت موقف المالية العامة على المدى المتوسط.
وقال الصندوق، «سوف يترتب على زيادة الصادرات غير النفطية وقوة السياحة الداخلة تأثير موازن جزئيا. وسيزداد تمويل العجز من خلال السحب من الودائع، والحد من تراكم الأصول بالنقد الأجنبي في الخارج، والاقتراض الخارجي. وسوف تظل الاحتياطيات الدولية كافية فهي تغطي حوالي 11-12 شهرا من الواردات على المدى المتوسط، حيث لا تزال الأصول الخارجية التي يحوزها صندوق الاستثمارات العامة وكيانات أخرى مرتبطة بالحكومة تشكل هوامش احتياطية إضافية قوية».
وحول موقف المالية العامة في عام 2025 – الذي أدى إلى تسجيل عجز بلغ ضعف الهدف المحدد في الميزانية – لا يزال ملائما؛ فبالنظر إلى التجاوزات السابقة لحدود الإنفاق والمشروعات التحويلية الجارية المرتبطة برؤية السعودية 2030، يتوقع خبراء الصندوق بلوغ النفقات الجارية مستويات أعلى من المتوقعة في الميزانية، بحسب بيان الصندوق.
وأضاف الصندوق: «إلى جانب انخفاض أسعار النفط وتوزيع شركة أرامكو الحد الأدنى من الأرباح المرتبطة بالأداء، سيؤدي ذلك إلى بلوغ عجز المالية العامة الكلي 4.3% من إجمالي الناتج المحلي. ومع هذا، لا تزال هذه النتيجة تعكس تحسنا في الرصيد الأولي غير النفطي قدره 3.6 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وهو ما يساهم فعليا في تركيز جزء من التعديل اللازم مع حلول عام 2030 في بداية الفترة دعما للعدالة بين الأجيال. وبالنظر إلى التعديل في بداية الفترة ووفرة هوامش الأمان المالي المتاحة، يرى خبراء الصندوق أن تقييد الإنفاق بشكل إضافي في 2025 غير ضروري، إذ قد يؤدي إلى سياسة مالية مسايرة للدورة الاقتصادية وتفاقم تباطؤ النمو».
ضبط أوضاع المالية العامة بالتدريج
وذكر الصندوق، أن ضبط أوضاع المالية العامة بالتدريج سيظل ضروريا على المدى المتوسط لتحقيق العدالة بين الأجيال، فمن أجل تجنب التعديلات المربكة وبناء هوامش الأمان، يجب توليد زيادة قدرها 3.3% إضافية في إجمالي الناتج المحلي غير النفطي على مدار الفترة من 2026–2030.
ورحب خبراء الصندوق بخطط زيادة سعر الضريبة على الأراضي غير المُطَوَّرة، وتطبيق ضريبة على الأراضي البيضاء، وتوسيع قاعدة ضريبة القيمة المضافة (لتشمل معاملات التجارة الإلكترونية، على سبيل المثال).
وسيتعين بذل جهود إضافية، بما في ذلك من خلال اتخاذ تدابير جديدة على صعيد السياسة الضريبية ومواصلة بذل الجهود لتعزيز الإدارة الضريبية. وينبغي عدم تجديد مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات المالية الضريبية، التي تم تمديدها عدة مرات منذ جائحة كوفيد، عندما تنتهي مدتها في شهر يونيو لأنها تسبب مخاطر سلوكية ويمكن أن تضعف الامتثال الضريبي.
كما رحب خبراء الصندوق بالتعديلات الجارية لأسعار الطاقة – بما في ذلك مضاعفة أسعار الديزل منذ يناير 2024 – والتي ساهمت، مقترنة بانخفاض أسعار النفط الدولية، في تخفيض دعم الوقود إلى 3.5% من إجمالي الناتج المحلي (مقابل 5.5% في عام 2022). ومع اقتراب أسعار بيع الوقود بالتجزئة من أسعار النفط الدولية والتوسع المخطط في برنامج الدعم الاجتماعي “ضمان” الموجه للمستحقين، ينبغي تعجيل الجهود الرامية إلى الحد من دعم الطاقة، بوسائل منها إلغاء الحد الأقصى لأسعار البنزين.
ورحبت البعثة أيضا بالمراجعات الجارية للإنفاق بهدف تحديد مجالات الادخار ومكاسب الكفاءة المحتملة، بما فيها التقييمات التي أجرتها مختلف الكيانات الحكومية مؤخرا بشأن تنفيذ المشروعات، وفي سياق مواصلة الترشيد، ينبغي إعطاء الأولوية لتخفيض النفقات الجارية بمضاعف مالي منخفض، مع الحفاظ على خطط البنية التحتية المعززة للنمو على المدى المتوسط. ويمكن لزيادة الشفافية بشأن اتساق تحديد أولويات الإنفاق وإعادة معايرتها مع خطط الاستثمار التي أعلنتها الحكومة أن تزيد ثقة المستثمرين.