الجمعة 10 شوال 1445AH 19-أبريل-2024AD
ADVERTISEMENT

صناديق التحوط تلتهم ربيع العملات المشفرة

د. خالد رمضان عبد اللطيف

منذ ظهور صناديق التحوط أربعينيات القرن الماضي، كان جل استثماراتها منصباً على الأسهم والسندات و المعادن و العقارات وغيرها من الأصول التقليدية المعتادة، إلا أن العقد الأخير شهد تغيراً بارزاً في طبيعة الأصول الاستثمارية لصناديق تحوط، إذ برزت صناديق تحوط (حوالي200 صندوق) تنصب استثماراتها على سوق العملات الرقمية، بهدف الاستفادة من “ربيع العملات المشفرة” الذي يتسم بارتفاع القيمة السوقية التي تصل في الوقت الراهن إلى 265 مليار دولار، مدفوعة بقوة التطور المحيط بالتطبيقات ذات المغزى لتكنولوجيا بلوكتشين.

من المثير للاهتمام رؤية عمالقة “وول ستريت” الآن وهم يتغولون بقوة في سوق العملات المشفرة، حيث ينجذب المستثمرون إلى صناديق التحوط للعملات المشفرة رغبة في تحقيق عوائد كبيرة، مقارنة بالعائدات الضعيفة من الودائع النقدية أو السندات، وقد برزت عملة “بيتكوين” سيدة العملات المشفرة باعتبارها واحدة من أفضل الأصول أداء، إذ ارتفعت 36 في المائة هذا العام، مع ذلك يبدو أن تحقيق عوائد كبيرة لمستثمري صناديق التحوط من الاستثمار في العملات المشفرة طريقاً وعراً، فقد أدى انخفاض سعر “بيتكوين” 39 في المائة في 12 مارس الماضي، إلى خسائر ضخمة لبعض الصناديق التي أغلقت أنشطتها وخرجت من السوق.

تعد “جرايسكيل إنفستمنتس”، وهي شركة إدارة صندوق استثماري للعملات المشفرة وفرع لمجموعة العملات الرقمية لشركة باري سيلبرت، مثالاً واضحاً للاستثمار في العملات الرقمية، فقد اشترت حوالي ثلث عملات بيتكوين التي تم سكها حديثًا مؤخراً، ليقفز متوسط الاستثمارات الأسبوعية في صندوق استثمار بيتكوين الخاص بجرايسكيل 29.9 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، مايعني أن متوسط الاستثمار الأسبوعي في الصندوق زاد بأكثر من ٨٠٠٪ مقارنةً بالربع الأول من ٢٠١٩ وقدره 3.2 ملايين دولار، وقد أضافت المشتريات ٦٠٧٦٢ بيتكوين إلى صندوق بيتكوين الخاص بها، وهو ما يعادل متوسط ٦٠٧ بيتكوين على مدار ١٠٠ يوم، وحتى ١٧ مايو الجاري، كان الصندوق يحتوي على ٣٤٣٩٥٤ بيتكوين.

خلال السنوات الأخيرة، فرضت العملات الافتراضية نفسها كأصل استثماري، ما دفع بالقائمين على صناديق التحوط للاستثمار والمضاربة فيها، فالارتفاع الذي شهدته أسعار العملات الافتراضية في بعض الفترات، مثل عنصر إغراء وجذب لمديري صناديق التحوط، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الهدف الأساسي لهؤلاء المدراء تحقيق أعلى معدل ربح ممكن خلال فترة زمنية قصيرة، ومن ثم كان من المنطقي للغاية أن تتضمن المحفظة الاستثمارية لصناديق التحوط الاستثمار في العملات الافتراضية.

إلا أن التطور البارز تمثل في ظهور صناديق تحوط العملات الافتراضية حصرت استثماراتها أو مضارابتها على العملات الافتراضية وفي مقدمتها بيتكوين، ورغم أن جوهر الفكرة بينها وبين صناديق التحوط التقليدية واحد، إلا أن هناك اختلافاً في التفاصيل، فمثلا صناديق تحوط العملات الافتراضية لا تدفع للمساهمين غالبا إلا عبر تلك العملات، كما ان نمط الإدارة يختلف إذ يتم إدارة الصندوق من خلال تصويت المساهمين بنسب محددة.

لكن، أحد جذور الاختلاف بين صناديق التحوط التقليدية وصناديق تحوط العملات الافتراضية يعود إلى التنظيم الحكومي، أو موقف الدول المختلفة من العملات الافتراضية، والتي لم يتم الاعتراف بمشروعيتها بعد بشكل تام في أسواق المال والأعمال، حيث لا يزال الجدل قائما بشأنها، ففيما تنسجم الأنشطة الاستثمارية لصناديق التحوط التقليدية مع الاجراءات الحكومية الخاصة بالاستثمار، يختلف الأمر تماماً بالنسبة لصناديق تحوط العملات الافتراضية حيث الهامش الاستثماري بالنسبة لها أضيق سواء في شقة الاستثماري لانصباب نشاطها على جانب واحد من جوانب الاستثمار، أو محدودية رقعة النشاط نتيجة عدم الاعتراف الدولي بالعملات الافتراضية وتجريمها في العديد من الدول.

ينبغي أن نتنبه إلى أن صناديق تحوط العملات الافتراضية تعتبر قادم استثماري جديد في سوق جديد هو الآخر، ولهذا تجعل التقلبات في قيمة العملات الافتراضية من الصعب في المرحلة الراهنة حسم الأمر بشأن تلك الصناديق، وعلى سبيل المثال في منتصف ديسمبر عام 2017 بلغت قيمة بيتكوين قرابة 20 ألف دولار، حينها تجاوزت عائدات بعض صناديق التحوط المتخصصة في العملات الافتراضية أرقاما فلكية بلغت 2700 في المائة، وبالتالي كان آداءها في هذا العام أفضل بنظيرتها التقليدية.

في الوقت الراهن يبلغ سعر وحدة بيتكوين 8870 دولارا، وربما يكون السعر المستهدف مثل ٥٠٠٠٠ دولار ليس مستبعداً على الإطلاق، بسبب اندفاع المؤسسات المهتمة لشراء بيتكوين، حيث يعد سوق العملات المشفرة أحد محطات الوصول للشركات التي تبحث عن سوق منفصل عن الأصول التقليدية، ومع هذا فإن القلق بشأن تعرض قطاع العملات الافتراضية لحملة تنظيمية يغذي شعوراً سلبياً لدى المستثمرين مما يسهم في تقلبات الأسعار، وعلى الأرجح فإن سوق التشفير سيظل غير مستقر في الأجل المنظور، إلا أن لأثر الايجابي طويل الأجل بالنسبة لصناديق التحوط أهم من تقلبات الأسعار في الأمد القصير.

ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *