السبت 18 شوال 1445هـ 27-أبريل-2024م
ADVERTISEMENT

صناديق سعودية بأنياب سيادية

د.فواز العلمي

في ثالث أيام العيد قبل أسبوعين تناقلت وكالات الأنباء المحلية والعالمية الإعلان الرسمي الصادر عن معهد صناديق الثروة السيادية (SWF Institute)، الذي أكد صعود صندوق الاستثمارات العامة السعودي خلال العام الجاري من المرتبة السادسة إلى المرتبة الخامسة كأكبر صندوق سيادي في العالم. وتزامن هذا الإعلان مع حلول الصندوق السيادي السعودي في المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط، والسابعة عالمياً في تطبيق معايير الحوكمة والاستدامة، وذلك وفق تقييم منصة (Global SWF) المتخصصة في رصد تحركات صناديق الثروة السيادية عالمياً وإقليمياً.

وجاءت هذه الأخبار المميزة عن صندوق الاستثمارات العامة السعودي في الوقت الذي أوضحت التقارير الدولية تواصل هبوط الأصول التي تديرها صناديق الثروة السيادية العالمية بنسبة 8% من 11.5 تريليون دولار إلى 10.6 تريليون دولار خلال العام الماضي. وذلك نتيجة التصحيحات التي تجاوزت 10% نتيجة تراجع الانخفاضات الكبيرة في أسواق الأسهم والسندات العالمية، ورفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة، إضافةً لنتائج الحرب الروسية الأوكرانية التي رفعت أسعار السلع إلى أعلى معدلاتها، مما أدى إلى انخفاض القيمة الإجمالية لصناديق الثروة السيادية في العالم وصناديق التقاعد العامة للمرة الأولى على الإطلاق.

ونقلاً عن صحيفة مال في مقال للدكتور فواز العلمي أكد فيه بأن رؤيتنا الطموحة، التي أطلقت قبل سبع سنوات، جاءت لإحلال اقتصادنا المعرفي، الذي يعتمد على قوة العقل وعلوم المعرفة، بدلاً من اقتصادنا الريعي، الذي يعتمد على النفط فقط، وذلك تمهيداً ليصبح اقتصادنا في عام 2030 ضمن أكبر 15 اقتصاداً في العالم، ولتحصد أجيالنا القادمة نجاح رؤيتنا في توجيه دفة العولمة لصالحنا وإلغاء عقدة النفط من قواميس اقتصادنا.

 ولكي نستمر في سعينا الدؤوب لتحقيق أهداف رؤيتنا خلال السنوات القادمة كان لا بد من تنويع مصادر دخلنا وتوسيع قاعدة أنشطتنا الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية، وتوفير الموارد الدائمة والمنتظمة لميزانيتنا السنوية ومضاعفة إيرادات الدولة غير النفطية إلى 1 تريليون ريال، ورفع حجم الاستثمارات المباشرة بنسبة 133%، وتخفيض معدلات البطالة إلى 7%.

وتنفيذاً لهذه الأهداف عزمت المملكة على مضاعفة أحجام ودائعها في صندوقها السيادي، وذلك لاستثمار مدخراته في تنفيذ المشاريع ودعم الشركات المحلية وامتلاك حصص مناسبة في الشركات الاقليمية والعالمية. وتأتي هذه الخطوات بالتزامن مع إعادة هيكلة الصندوق في عام 2016، ليمضي قدماً بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه الرئيسة المتمثلة في تعظيم قيمة أصوله، وإطلاق قطاعات جديدة، وتوطين التقنيات والمعارف المتقدمة، وبناء الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية، وذلك سعياً لتعزيز دور الصندوق كمحرك فاعل لتنويع الاقتصاد السعودي وتعميق أثر ودور المملكة في المشهد الاقتصادي الإقليمي والعالمي.

وحيث أن معهد “التمويل الدولي الأمريكي” كان قد أوضح في الشهر الماضي أن 36% من الإجمالي التراكمي لحجم الأصول الخليجية في صناديقها السيادية تمّ ضخّه في الأسواق العالمية خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأن أوروبا استقطبت 55% من التدفقات المالية من الدول الخليجية، فيما استحوذت دول الشرق الأوسط على 11% من هذه التدفقات، لتثمر في زيادة مدخرات الصناديق الخليجية وزيادة السيولة الدولية بنسبة فاقت 44% لتساهم في تحريك الاقتصاد العالمي.

ومع أن مصرف “ستاندرد تشارترد” الأمريكي أكد على أن أحجام وموجودات الصناديق السيادية العالمية لا تمثل سوى 15% من الأصول المدارة من قبل شركات التأمين، و27% من أصول صناديق المعاشات، و50% من احتياطات الصرف العالمية، مما يضع الصناديق السيادية في المرتبة الرابعة من حيث الأصول المالية في الأسواق العالمية، إلا أن “معهد الصناديق السيادية” أكد على أن هذه الصناديق، التي يعود تاريخها إلى عام 1953، بدأت تنشط بصورة كبيرة مؤخراً لتفوق قيمة أصولها وموجوداتها نسبة 16% من إجمالي القيم المتداولة في بورصة نيويورك، أو 48% من إجمالي القيم المتداولة في بورصة طوكيو، لتسجل هذه الصناديق للعام الثالث على التوالي مستويات نمو سنوية قياسية بلغت 8% في العام الماضي.

ووفقاً لتقرير “معهد الصناديق السيادية” الأخير، احتلت الصناديق السيادية الآسيوية المرتبة الأولى حول العالم بأصول فاقت 38% وجاءت منطقة الشرق الأوسط في المرتبة الثانية بنسبة 37%، وذلك بسبب ارتفاع قيمة أصول الصناديق السيادية الخليجية إلى 1.7 تريليون دولار أمريكي، التي تتكون من أصول الأراضي والأسهم والسندات والأجهزة الاستثمارية، وهي عبارة عن فوائض الأموال والمداخيل والاحتياطات المالية المتوفرة في البنوك المركزية الخليجية والتي تستثمرها في الدول الأخرى مثل أوروبا وأمريكا واليابان وكندا.

ونتيجة لهذه التقارير الموثقة صدر تصنيف “صندوق النقد الدولي” للصناديق السيادية على أنها تتفق على المبادئ وتختلف في الأهداف، بينما صنفتها “مؤسسة التمويل الدولية” على أنها تتفق على وسائل الإدارة وتختلف في مصادر التمويل. وبالتالي جاءت أهم هذه الصناديق تلك الممولة من عوائد المواد الأولية مثل النفط، تتبعها الصناديق الممولة بفوائض المدفوعات الجارية الناتجة عن تنافسيتها التصديرية، ثم الصناديق الممولة بعوائد برامج خصخصة القطاعات الحكومية، بينما جاء آخرها الصناديق الممولة من فوائض الميزانية لاستخدامها في زيادة استثماراتها وتنميتها.

ومن هنا نجد أن نجاح الصندوق السعودي، الذي حقق العديد من الإنجازات منذ إعادة هيكلته في عام 2016، جاء نتيجة تأسيس 79 شركة في 10 قطاعات استراتيجية وتوفير أكثر من 500,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، لترتفع أصوله في الاستثمارات بنسبة 328% منذ إطلاق رؤية 2030، ويحقق اليوم المرتبة الخامسة عالمياً بأصول فاقت 2.3 تريليون ريال.

ويعتزم الصندوق رفع هذه الأصول بنسبة 567% بنهاية 2030 لتصبح عشرة تريليونات ريال. وبهذا تستهدف السعودية رفع أصول صندوقها السيادي بنسبة 1654% خلال أعوام الرؤية من عام 2016 حتى عام 2030، لتنقسم استماراته بنسبة 71% محلية و29% عالمية، وتتركز في 13 قطاع رئيسي، أبرزها الاتصالات والاعلام والتقنية بنسبة 25%، والقطاع العقاري بنسبة 23.5%، والخدمات المالية بنسبة 23%.

ومنذ إعادة هيكلته في عام 2016، يسير صندوق الاستثمارات العامة بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه الرئيسة المتمثلة في تعظيم قيمة أصوله، وإطلاق قطاعات جديدة، وتوطين التقنيات المتقدمة، وبناء الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية، وتعميق أثر ودور المملكة في المشهد الاقتصادي الإقليمي والعالمي، وذلك سعياً في تعزيز دور الصندوق كمحرك فاعل لتنويع الاقتصاد السعودي.

لذا اعتمدت الركائز الخمسة المحوريّة لاستراتيجية الصندوق السعودي على إطلاق شركات القطاعات المحلية وتنميتها، والاستثمار في القطاعات ذات الأولوية، وتطوير المشاريع العقارية محلياً، والترويج للمملكة كوجهة سياحية عالمية، والتركيز على المشاريع الكبرى في المملكة، إضافةً لتنمية وتنويع أصول الصندوق العالمية من خلال تطوير الشراكات الاستراتيجية الدولية والمشاركة في الاستثمارات العالمية لتنويع مصادر الدخل.

ووفقاً لهذه الاستراتيجية يستهدف الصندوق رفع حجم أصوله إلى 4 ترليون ريال بنهاية 2025، مع استحداث 1.8 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر، لتبلغ مساهمة الصندوق في الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي بشكل تراكمي 1.2 تريليون ريال، وترتفع نسبة مساهمته في المحتوى المحلي بنسبة 60%. هذا في الوقت الذي أصبح للصندوق أبلغ الأثر في دعم التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، من خلال تنظيم أكبر مزادات طوعية من نوعها على مستوى العالم، والتي تم خلالها بيع 3.6 ملايين طن من أرصدة الكربون الطوعي لعدة جهات وشركات محلية وعالمية.

وإضافةً لهذه الانجازات أصبح الصندوق السعودي اليوم أول صندوق ثروة سيادي في العالم يصدر سندات خضراء، بما في ذلك إصدارها لمدة 100 عام، بقيمة إجمالية بلغت 8.5 مليار دولار. كما أصبح الصندوق السعودي أول صندوق في منطقة الشرق الأوسط يعلن استهدافه الوصول إلى الحياد الصفري لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول 2050 من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون.

هذا هو صندوقنا السعودي الذي يتميز بأنياب سيادية لتحقيق أهداف رؤيتنا.

ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *